هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» تحالف اليسار الديموقراطي يرفض مشروع الدستور الجديد و يدعو إلى مقاطعة الاستفتاء حوله
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالثلاثاء يونيو 21, 2011 9:38 am من طرف Admin

» في الذكرى الأربعينية لرحيل المناضل والمثقف حسن الدردابي (صور)
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالخميس يونيو 16, 2011 5:41 am من طرف Admin

» الاشتراكي الموحد: المجتمع المغربي ونخبه مستعدون للإصلاح
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالأحد يونيو 12, 2011 6:41 am من طرف Admin

» من وحي الذكرى الأربعينية لوفاة المناضل حسن الدردابي
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالسبت يونيو 11, 2011 4:23 am من طرف Admin

» مسيرات سلمية عمت مدن المملكة المغربية سيرتها حركة 20 فبراير في غياب تام للعنف و الشغب (صور)
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالثلاثاء يونيو 07, 2011 2:18 pm من طرف Admin

» نداء مسيرة 05 يونيو بتطوان
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالأربعاء يونيو 01, 2011 10:26 am من طرف محمد البالي

» مسيرة احتجاجية الأحد 05 يونيو
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالأربعاء يونيو 01, 2011 10:19 am من طرف محمد البالي

» الاشتراكي الموحد يطرح المقتضيات الأساسية المقترحة قصد الاعتماد في صياغة دستور جديد
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالأربعاء مايو 25, 2011 4:34 am من طرف Admin

» الاشتراكي الموحد يقدم تصوره بشأن الدستور الجديد
تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Emptyالإثنين مايو 23, 2011 11:45 am من طرف Admin


تقديم أرضية " الثورة الهادئة "

اذهب الى الأسفل

تقديم أرضية " الثورة الهادئة " Empty تقديم أرضية " الثورة الهادئة "

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أبريل 27, 2011 8:08 am

I- في أفق وعي نقدي متجدد :

تهدف هذه الأرضية إلى المساهمة في المجهود الرامي – بمناسبة المؤتمر الوطني الثاني للحزب الاشتراكي الموحد- إلى بنينة الرأي العام الحزبي حول مقاربات معلنة، من المفترض أن تنكب على تقديم أوضح القراءات الممكنة لمعالم المرحلة، واقتراح أجدى سبل التمفصل بين الغايات الإستراتيجية الحزبية ، بما هي مبادئ مؤسسة لمشروعه المجتمعي، وبين تصريفها التكتيكي بما هو رؤية للاستحقاقات والأولويات التي يمليها تدبير وإدارة الصراع المجتمعي في شرطه الراهن وما يرتبط به من مستلزمات.

à إن هكذا منطلق يفترض التأكيد على جملة من المسلمات أهمها :

1. أننا لا نملك الحقيقة بل نتملك اجتهادا منفتحا على النقاش والإثراء والتطوير والتقاطع.

2. أن من حسنات النقاش، التفكير بصوت مسموع والقطع مع الدارج من مقاربات مضمرة تمارس بالتقسيط دونما الإعلان عن ذاتها.

3. أن منتهى التبلور في تيار ليس حتمية قدرية ولا يمكنه أن يكون برغبة ذاتية في التميز- وفق قاعدة "خالف تعرف" – بل يجب أن يجسد حاجة وحقيقة موضوعية من حيث محمول مقاربة ما ومدى مترتباته العملية تنظيميا وسياسيا وليس مجرد صيغة خطابية لشرعنة تجييش متنافر الهوى والأهواء يستند لآليات خارج حزبية ومحكومة بنوازع شخصانية أو روابط دكاكينية سالفة .

4. أن التيار – أي تيار- ليس ولا يمكن أن يكون حزبا داخل الحزب أو على هامش الحزب، بل قوة تطارحية ترمي توجيه دفة الحزب- خطه المرحلي- أو التأثير في توجيهها من منطلق قاعدته التأسيسية المبدئية المؤطرة وآليات مشروعيته المؤسسية.

5. أن الاصطفاف في تيار ما لا يبيح التحجج لا لجهة التفريط في حقوق رأي الأقلية أو الأقليات ولا لجهة إشاعة الشلل وافتعال الأزمات والأوضاع المحجوزة من قبل هذه الأقلية أو تلك، ذلك أن قضايا الممارسة الميدانية المحلية والجهوية هي قضايا إجرائية عملياتية بالأساس وتتطلب مبادرات مستندة إلى واقع الحال الميداني بما يستلزمه من مرونة وتكييف بين المرجعي والظرفي على خلاف التموقفات بالنسبة للقضايا الوطنية والمبادرات الرامية إلى إدارة الصراع والمساهمة في الحراك السياسي العام والتي يجب أن تعكس مقتضيات الشرعية كما تحصلت مؤسسيا في حضن المؤتمر، إذ تظل محكومة بالمراقبة والمحاسبة ومن ثمة من حقها أن تمتلك مختلف الإمكانيات لتصريف مقاربتها لا أن يعمد إلى البحث الدائب عن سبيل لشلها بما يرسي مفهوما وفهما منحرفا للتيار بقتله في المهد كمبادرة تأسيسية في الحقل الحزبي الوطني.

وتأسيسا على كل ما سلف، نعتقد أن كل مناضل ومناضلة بقدر ما يجب أن يحتكم لضميره وقناعاته وخبرته الخاصتين, بقدر ما يجب أن يتسلح بحسه النقدي وبثقافة السؤال وهو يمارس اختياراته لكونها لن تحدد فقط طبيعة الحزب الذي سنكونه فحسب بل وأيضا مساحة القوة التي سنشغلها، في المرحلة المقبلة، دفاعا عن القضايا الأساس لمجتمعنا والقدرة الاقتراحية التي سنعبئها في هذا السبيل والتي يفترض أن تعكس قيمتها المضافة في الحقل الحزبي الوطني لا مجرد رقم أو دودية زائدة.

II- في التسمية :

منذ انهيار المنظومة السوفياتية ، ورغم النقاشات النظرية التي سبقته- بعقد على الأقل- في الساحة اليسارية الوطنية والتي حاولت جاهدة استعادة المعنى لمفهوم الثورة ضدا على الابتذال الذي حوله قسرا من حمولته التاريخية لمرادف انقلابي يتغيا السلطة حصرا من منظور يحكمه هوس التغيير النخبوي من فوق في " تسريع للتاريخ ".

منذ ذلك الحين، والمفهوم غذا كالنعجة الجرباء منبوذا ، مخافة إثارة الإزعاج تارة وأخرى مخافة الإحالة على " ثراث " أصبح" أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام".

إن اختيارنا لهذه التسمية ليس من قبيل الاعتباط، بله تركيز مكثف لمقاربة ستتكشف تدرجا ، تعكس فهما محددا لمواطن الحجز والإعاقة في وجه التغيير المجتمعي ورؤية معينة للأولويات التي يفرضها سلم مباشرة هذا التغيير ضمن نسقية رامية لتثوير حقيقي للذات والموضوع في آن .

وهي بالمحصلة ، رد اعتبار لمفهوم الثورة كاستحقاق يساري بمضمونه التغييري التاريخي لا بمعناه ألابتذالي الانقلابي المحكوم بهلوسة السلطة.

III- في الإعاقات التاريخية للتحول الديمقراطي :

ليس في ما نعانيه ونواجهه اليوم وعلى شتى المستويات ، مجرد إرادات مهما كانت تراتبيتها أو تموضعها الفردي والفئوي في الجسم المجتمعي ، بل هي ذاتها ليست عدا تعبير عن محصلة اعم لمعضلات أعمق.

فمن التبسيط ، المضلل أحيانا ، أن نستخف بالمعضلات التاريخية والمجالية، ونقف عند توصيف قمة جبل الجليد العائم دون الذهاب رأسا وبجرأة لعمق الفهم المطلوب بصورة مفارقة لما يفترض يسارا من الاخد بالتحليل التاريخي على اختلاف مستوياته، وما يترتب عن ذلك من إنتاج تحليل مرجعي مفرز لمؤشرات أفق واضح، ومعالم ممارسة عقلانية غير متخطبة من حيث استحقاقاتها الذاتية والبرنامجية المرحلية / خطها السياسي/ خريطتها للطريق.

إن المعضلات الأساس التي تأسر دفع التغيير الديمقراطي الحداثي في مجتمعنا وتحجزه كأفق ممكن هي، بإيجاز لا يخلو من إخلال بنظرنا في المجمل:

1. إن النمط الذي أرسي بأوصال مجتمعنا ماديا وذهنيا وعلى مدى 15 قرنا هو نمط للقوة/ اقتصاد الغزو، وليس نمطا للإنتاج وهو ابعد ما يكون عن أصول نظرية الحق كما تطورت بقسم مهم من القارة الأوربية.

2. أن العلاقة بين الدولة الدينية ، كما أرسيت بعد الاسلمة، و" رعاياها " ظلت مؤطرة ومشرعنة بنظرية " الفيء". بعد أن شكلت هذه النظرية من خلال نازلة " تخميس الامازيغ " رأس حربة الانتفاضة والقطيعة الولائية إزاء خلافة المشرق، ليعاد إنتاجها وبأدوات "ممزغة ".

3. أن البنية المعاشية ظلت بنية ركودية شأنها شأن البنيتين الاجتماعية والذهنية، قائمة على عوائد التوسع غزوا، وريع التبادل البدائي ، وأتاوات قطع الطريق أو حمايتها، وعوائد القرصنة المشرعنة بالجهاد في حين شكل الرقيق من الدرجة الأولى أو الثانية قوة للعمل لدى قبائل أو لدى المخزن (حالة المخزن السعدي) بينما ظلت المواقع السهلية محط كر وفر لغوائل أللاستقرار (تنقيل قبائل، نزوح القبائل الجبلية أو الجنوبية بحثا عن مرعى، تطاحنات المشروعيات، دورات الجفاف والمجاعات والأوبئة) بينما ظلت المراكز الحضرية حلقات لاقتصاد الكفاف في نسقيه التبادلي والحرفي.

4. أن البنية السياسية التي أطرت هذه المنظومة هي بنية سلطانية مركزية في شرعيتها وفعلها، منبنية على شبكة من الولاءات والتحالفات تجمع بين ما يشبه "أمراء حرب" بقوة بأسهم المحلي أو بقوة معنوية مضافة له (شرفاوية ،دينية).

5. إن بنية المعرفة في هكذا مجتمع ظلت في المعظم نقلية لاهوتية ذات علاقة صميمية بمنظومة ثيوقراطية على اختلاف تراتبيتها ، متكيفة مع الأعراف الاجتماعية المتوارثة التي استدمجت في إطار الاسلمة لتحقيق التوافق المجتمعي والتقليل من الاحتكاك بين اللاهوت التقليدي، العالم واللاهوت الشعبي الممارس.

6. إن هذه الطاحونة التاريخية ، قد عملت تدريجيا على تدمير الهوية التاريخية للمجتمع وتبخيسها لمصلحة إعلاء قيمة العناصر الهوياتية والثقافية الوافدة عروبية مشرقية أو مورسكية خاصة بعد نجاح " حركة الاسترداد الأوروبي" من منطلق ما استندت عليه من " قيمة مضافة" (شرف الانتساب، المعارف، الصنائع، فنون الحرب).

7. إن هكذا مجتمع ظل ، ما دام قادرا على الممانعة الحربية بل والتوسع غزوا في ظل شروط متكافئة لجوار متوسطي غارق في ظلمائه القرسطوية، أو جوار مشرقي عثماني لا يختلف عنه جوهريا، بيد انه أفلت زمام التكافؤ مع تحول المقومات الأولية لاستمرار ممانعته بانقلاب النفوذ من الأبيض المتوسط للمحيط الاطلسي ، ونمو حركة الكشوفات الجغرافية بمترتباتها، ونمو الحركة النهضوية وتحقق الثورة الدينية وما أعقبها من حلقات انبلاج الحداثة، معرفة، ومعاشا، وعلاقات اجتماعية ونفوذ دولي.

8. إن الممانعة القائمة على أرضية لاهوتية قوامها التكفير في استعاضة عن هوية الأرض قد تحولت إلى شرك مدمر لكل حراك باتجاه التفاعل والتثاقف والمحاكاة واللحاق، وظلت الفئات المنتفعة من الوضع القائم بما فيها الفقهاء حراس الحيلولة دون أية إرادة للإصلاح بما فيها تلك الصادرة عن إرادة الفقيه الأكبر/ السلطان. بل تحولت بعض الإصلاحات ذاتها لبؤر نهب وسلب ومفسدة. بل كان الجسم الفقهي المؤثث لرجالات الدولة مصدر خيانة ورشوة كما سيغدو بعضه مجال موالاة وحماية للقوى الاستعمارية المتهافتة على المجال المغربي.

9. إن الإيديولوجية الإسلامية، وليس الإسلام كتدين، كعقيدة للحكم ذات الخلفية الفارسية ومنظومة مؤطرة لاقتصاد الغزو، والمنضدة/ المستنفذة المفعول بفعل حركة التاريخ المنافية لركوديتها، تقع في قلب المسؤولية عن مأزق الإخفاق التاريخي الذي وقع المغرب ضحية له نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 من حيث تدميرها لكل مقومات التطور العقلاني والإنتاجي للمجتمع، كما مقومات التطور المؤسسي لبنية الدولة وللعلاقات الاجتماعية التراتبية والمجالية، فهي لم تكن تصلح لغير الانقلاب على ذاتها لإعادة إنتاج ذاتها من خلال تكفير شرعية قائمة لمصلحة شرعية طامحة .

10. إن الموقع ألمجالي للمغرب كرأس حربة متقدم في مواجهة الاحتكاك مع عالم ما بعد النهضة، جامح التغيرات والحلقات الثورية المادية والمعنوية قد وضعه كما في سابق المحطات التاريخية، موضع تقاطب القوى الناهضة أوروبيا والباحثة عن مجالات حيوية مضافة لتحسين شروط نفوذها القاري.

وهو التهافت الذي سيفضي بعد 1912 إلى إرساء بنية دولتية قائمة على تقاسم الأدوار بين سلطة دينية ذات سيادة على النفوس وسلطة زمانية استعمارية تستأثر بالمجال وتتوزع قدراته الطبيعية والاقتصادية وطاقاته البشرية لمصلحة متروبولاتها.

11. إن أربعة عقود من الاستعمار كانت كافية لبلقنة المغرب لعدة ازدواجيات، سلطة تقليدانية في مقابل إدارة عصرية، مغرب المركز النافع في مقابل مغرب المحيط غير النافع، فلاحة تسويقية وبوادي عصرية في مقابل فلاحة معاشية وبوادي الفلاحة الياناصيبية أسيرة دورات الجفاف، صناعة تقليدية تداور الأزمات وتتحول إلى فلكلور وصناعة عصرية لا تسمن من جوع في السباق التكنولوجي لما بعد الحرب العالمية الثانية،مدرسة للنخب الفرانكوفونية بما فيها أبناء الأعيان ورجالات الحركة الوطنية ومدرسة للشعب للتكوين المهني أو للعوربة السلفية.

على أن من حسناتها ،إن جاز المصطلح ،عودة الوعي إلى الانتماء لشيء اسمه الوطن وإن بخلفية مؤطرة تمتح في الغالب من المرجعية الدينية أكثر من مرجعية الأرض والإنسان، وأكثر التصاقا بمشرق ينهض بإيديولوجيته القومية المصطنعة اصطناعا في الحضن الانجلوفوني.

بيد أن هذه العودة القوية لأسلافنا في وجه عنجهية مستعمر، بلغت حد نفي سلطان لم ييسر مراميها، والذين استفادوا من الظروف المتأتية لما بعد الحرب ع II، أبرزت أنهم ما كانوا ليدركوا منتهى أوفاق أيكس_ ليبان بمحدودية نظرهم الأبوية، وربما بخوفهم من تجاوز الأحداث إثر ولادة جيش التحرير.

هذه الأوفاق التي أورثت المغرب مجالا ممزق السيادة الترابية ، مأسور الإرادة الاقتصادية من قبل مراكز استعمارية ومعمرين وفئات نامية في حضن الاقتصاد الاستعماري، ندر من كون به ثروة عصامية ، أجلت الجواب على ألأسئلة الأساس، وبالأخص من يحكم من ؟ وكيف ؟

وهي الأوضاع التي مافتئت، بعد فورة الحماس، أن تكشفت عن مآزق دموية بدأت بأكل الاستقلال لأبنائه وانتهت في دورتها الجهنمية باستعادة الدولة السلطانية المعصرنة، لزمام التحكم ببناء وتوسيع شبكة ولاءاتها الريعية عبر مساحات في أجهزة الدولة ، أو في بنياتها القطاعية حيث استعاد الفيء/ الغنيمة قوة حضوره عبر المحسوبية والزبونية والفساد والتنفذ عبر سلسلة إجرائية من ظهائر 1962 إلى وزيعة الأراضي المسترجعة إلى قوانين "المغربة".

ولقد واكبت ذلك كثافة تغطية نارية جهنمية لتدمير ما تبقى من ممانعات سابقة أو ناهضة من رحم المجتمع واحتجاجاته العفوية أو المنظمة ، تغطية آزرها احتضان دولي متواطئ وصموت في ظل الحرب الباردة ومناخاتها. 12. إن هذا المسار الذي حشر فيه المجتمع حشرا، وللصيغة مرماها، قد اغلق مسامه التنفيسية مع اكتمال مغربة الأطر وتشبع الهياكل الدولتية برغم المناورة ب " الخدمة المدنية" وبتراكم مديونياته القطاعية، فلاحة وصناعة. ومفاجأته بكلفة استحقاق الوحدة الترابية معززة بخصم المغرب التاريخي : دورات الجفاف.

هو ذا السياق الدافع والمحث لهامش الانفتاح المؤطر ب " المغرب الجديد" إلى حدود نهاية الثمانينات، بمنح جرعات تدبيرية ضمن نفس النسق : الفيء المستقطب لنخب جديدة. إذ لم يعد للمخزن السلطاني ما يعطيه مقابل " تأليف القلوب" غير مساحات للتنفذ والنهب المحلي والوجاهة الوطنية لخدمة شبكات الانتفاع التي تحولت لمدارات لامندوحة من المرور عبرها ، في مناورة استبدالية لقوى وطنية صميمية منهكة ومستنزفة ، تتآكل مشروعيتها تدريجيا ، لكنها تظل قادرة على التحفز واسترجاع بعض الزخم المجتمعي ، غير أن كعب أخيلها: قابليتها الكبيرة للمساومات السهلة في المنعطفات التاريخية .

وكما ضحت أوفاق إيكس_ليبان بالأجوبة الإستراتيجية لمغرب الاستقلال، فإن التوافق الضمني لمنتصف السبعينات بين المشروعية التاريخية السلطانية والمشروعية الوطنية قد ضحى بجيل ناهض برمته ، محدثا فراغا جهنميا كانت تشغل مساحته قوة ممانعة، شكلت بأحلامها الكبرى، وخطابها وكفاحيتها وتضحياتها ووطنيتها الصميمية جنين مشروعية شعبية ناهضة في وجه قوى أرباع الحلول ، بغض النظر عن كل انزلاقاتها الخطابية أو النظرية أو بعض تموقفاتها السياسوية حتى.

13. إن هذا الفراغ قد استثمر من قبل مهندسي السلطان ،وعلى رأسهم بديل كديرة ادريس البصري، في تطعيم وتوسيع وتنويع روافد قاعدة اجتماعية منسجمة مع نسق الدولة السلطانية وبناها المادية والإيديولوجية ،بالاحتضان الواسع لمختلف انوية انبعاث "الرهبانية" الحديثة والسعي لترويضها ،مبرزا جهلا مدقعا بالتاريخ.

فما لم يتم حسبانه هو خطر (انقلاب السحر على الساحر) إذ أن التفكير الأدواتي المركز على خلق فزاعات ضاغطة لكبح أفق تفكير وأهداف المعارضات، خاصة الأكثر راديكالية ، قد انتهى بالمحصلة لاستنساخ جسم كل الشروط الموضوعية المادية والذهنية متوافرة لاستشرائه، ليشهر السلاح المفضل والأكثر فتكا لدى كل الإيديولوجيات الدينية، والإسلامية إحداها: "التكفير". وما الحواضن الخارجية غير دعائم لوجستيكية مادية وإعلامية وسيكولوجية ، في لعبة التماثل والانعكاس لإعادة ترقيع، وضمان تماسك الصورة الهوياتية المؤدلجة : استيهام الأمة العابرة للأوطان.

14. إن هذا النمط / النسق العام، قد بلغ مع منتصف الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين اختناقات ظرفية حادة أهمها:

أ* تحول معطيات واستحقاقات الشرط الدولي بصورة جذرية بالتهالك الدرامي للنظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية و احتلال القطب الانكلوساكسوني (انكلترا- الولايات المتحدة الأمريكية) لمركز الريادة والتنفذ الدوليين، وفرض أجندة قائمة على تحرير التجارة الدولية لإفساح المجال لعولمة متوحشة، قائمة على تسييد المصالح الرأسمالية الكبرى ودحر الحمائيات التقليدية والعمل على تصفية الممانعات الإقليمية المرتبطة بها سواء عبر افتعال أزمات أو حلحلة أخرى أو تجميدها، وضمان عدم تشكل قطب بديل عبر مسعى التطويق (الحالة الروسية) أو التقليم والردع ( الحالة الصينية) أو الإضعاف عبر التهميش أو قضم النفوذ والاختراق (الاتحاد الأوروبي) كل ذلك جرى ويجري ضمن استحقاقات مطلوبة قائمة على تعميم الديمقراطية الانتخابية وحظر الانقلابات والترويج لخطاب الحقوق الإنسانية على اختلاف أجيالها، ولمفهوم وسياسات الحكامة الرشيدة وهي منظومة معايير جديدة أملاها سقف تطلعات الشعوب ومسعى استيعابها وتوظيفها من قبل القوى النافذة دوليا لغاية ضمان سيولة أسرع لمصالحها ولغاية الابتزاز حتى.

ب* إن انزياح هذا الغطاء الدولي، قد تزامن مع اخفاقات اجتماعية واقتصادية بل وسياسية داخلية متعددة.

فعلى الصعيد الاقتصادي كانت المديونية قد بلغت أشدها بالتهام قرابة ثلث الناتج الوطني الخام، وظلت القطاعات المراهن عليها هشة برغم التفقير الممنهج لسياسات التقويم الهيكلي وإعادة التأهيل القطاعي مع وضع فلاحي مضطرب. وبلغت المنظومتين التربوية والتكوينية درجة اللاجدوى أمام عدم قدرة الإدارة الدولتية بمفهومها العام على استيعاب المزيد من الموظفين رغم تحويل الجماعات المحلية، بمسعى من وزارة الداخلية ، لباحة لتزجية الوقت الثالث مؤدى عنها من المال العام المحلي ولدعم الزبونيات الانتخابية ل "شبكة الفنادقية" شأن إطلاق يدها في تأثيت أحزمة البؤس حيث عربدة بدونة السياسية والمجال بترييف المدن بلا رادع وفي استهتار إزاء كل قواعد المشروعية القانونية، فغذت النصوص، كما كانت دوما ، حبرا على ورق مشرع لتآكل أرضية الفساد والاغتناء اللامشروع.

وفي مقابل هذا الوضع ظلت فئات "المترفين" المشدودة الوثاق لآلة "تأليف القلوب" وجني المغانم دائمة التشكي لابتزاز المزيد من الإعفاءات والإجراءات المشرعنة لإطلاق اليد في الأعناق والأرزاق، بينما تعرض بعض " المتنطعين" منهم لحملة التطهير الشهيرة في "حركة" تأديبية للمخزن السلطاني شبيهة ب " حركات التتريك" التي كانت تستهدف القبائل "السائبة".

ولقد فضحت هذه المرحلة العقم البنيوي لما يصطلح عليه تجاوزا ب"البرجوازية"المغربية وعجزها عن بلورة قاعدتها ومشروعها الخاصين بعيدا عن آليات السلطان .وهو ما سيتأكد لاحقا بالتجاء قسم منها لقوة شوكة الفصائل " الرهبانية" كما في كل الفاشيات الناهضة (نموذجي: إيطاليا، وألمانيا لما بين الحربين) ولم يكن الحال الاجتماعي أقل حصيلة من هذا المشهد الكارثي ، سكنا وصحة وثقافة وقضاء ومصادر عيش . وغدا التململ متمكنا من النفوس في كل مكان مؤشرا لأزمة اجتماعية وسياسية تدق على الأبواب وبعنف ويصعب في الشرط الدولي إياه إغراقها دمويا على شاكلة الدورات السابقة- الريف 59 مارس65،ابريل79،يونيو81 يناير84 دجنبر 90..- دون أن يشكل ذلك مقامرة بالمنظومة السلطانية ذاتها .

15. إن استشعار هذا المأزق الحثيث، هو الذي أسس لإخراج " التوافق" والذي بدأ تمهيدا بالتأشير على مبادرات حسن النية بتنفيس الاحتقان على جرعات، وإعادة الصياغة الدستورية لمساحة تدبيرية أوفر مع ضمانات انخراط في روح عصر ما بعد الحرب الباردة، مقابل التزام برنامجي استراتيجي قوامه الأساس أوراش استحقاقات صندوق النقد الدولي (إصلاح التعليم، إصلاح القضاء خاصة التجاري، إصلاح الإدارة والضغط على الكتلة الأجرية، إصلاح عالم الشغل، رفع يد الدولة عن عدة قطاعات إستراتيجية : نقل ،اتصالات، تحرير الأسعار وتقليص مجال تدخل صندوق المقاصة، إصلاح المنظومات الجبائية والجمركية والاستثمارية...).

والحصيلة قبل أو بعد انتقال السلطة، أن التسوية التي تم طبخها على مهل والتحكم بإخراجها الميداني لتعبئة شحنة الحماس اللازم للالتفاف حولها بدءا من صياغة ميثاق الكثلة والترويج له إلى تنصيب حكومة اليوسفي مرورا بضمان التصويت شبه الاجماعي على دستور 1996، قد خبت مراهناتها، إذ ظلت مختلف الايجابيات التي رتبتها جانبية، قياسا مع ما ظل بنيويا مستعصيا على التحول لمحدودية إرادته وضعف شروط تبلور هذه الإرادة من حيث موازين القوى المعبأة ذاتها ،لا الموضوعية المتاحة لجهة المناخ الدولي والاستعدادات الخام مجتمعيا.

وهكذا تراجع سقف المساومات لبضع مقاعد حكومية تضمن البقاء في السباق، في ظل سلطة خارج حكومية، حتى و إن كان الثمن: تفكيك جبهة الصف الديمقراطي-وهو ثمن سياسي باهض- لخطب ود ثقة لا تحتاج لشهادة إثبات أصلا.

فما الذي تغير حقا على مستوى بنية الإرادة/ جوهرها؟

16. إن التمعن في الحصيلة المكثفة للمرحلة يفضي للقول بان بعض ما تحمله من مكاسب – وإن بدت للملاحظ الخارجي ثورة ( هيئة الانصاف والمصالحة،تقرير المكاشفة الاجتماعية لـ50سنة،مدونة الأسرة،المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، إزاحة بعض الوجوه كالبصري...) فهي للمتأمل في تاريخ المغرب العميق تبدو بمثابة خطوات إصلاحية خجولة ومترددة لا تملك القوة الدافعة لإطلاق انتقال ديمقراطي فعلي.

ولمن الأكيد أن هناك إرادة في الإصلاح ، لكن جوهرها محدود ولا يبلغ مدى الثثوير الاجتماعي قياسا بطبقات الخصاص المراكمة تاريخيا.بل هي تتغيا استمرارية الجوهر السلطاني.

إن الأمر لا يتعلق بتشكيك سياسوي أو حكم على النوايا، ولا باستصغار أي إصلاح على بساطته في ظل حقل اجتماعي ملغوم بالردة الماضوية وبضعف تأهيل النخب شبه الحداثية وبأدوات دولتية توارثت أعرافا فاسدة ومفسدة أكثر مما توارثت تقاليد مؤسسية واحتكام لقواعد المشروعية القانونية، وتشبع بأخلاق النزاهة والضمير المهني.

بيد إن لمطمح مغرب حداثي ديمقراطي، يتجاوز حدود الشعار والاصلاحات الهشة، كإرادة صميمة ،جملة استحقاقات أولية غير مكلفة لكنها جسورة ولا يمكن النظر لها فقط من ثقب الحاجات الاجتماعية الملحة، فلقد ظلت أنظمة الحزب الوحيد تبرر مشروعية بطشها ونزوعها التحكمى لعقود بحاجات الشعب الأولية عدا الترف" الليبرالي البرجوازي"، مع ما لهذه الحاجات من أولويات ضاغطة لا تقبل التأجيل .فالمغرب الحداثي الديمقراطي حقا، يستوجب المشي على قدمين :

قدم اجتماعية / اقتصادية وقدم سياسية/ ثقافية/تربوية.

وإذا كانت للحداثة مفاتيح غير قابلة للاستبدال في استحقاقاتها، فإن جوهر الديمقراطية واحد لكن صيغ تصريفه قابلة للإبداع ولا تخضع لمنطق ال kit .

17. إن المفارق الكاشف عن محدودية الإرادة في إطلاق صيرورة انتقال ديمقراطي حداثي حقيقي هو استمرار التخبط في عدة ازدواجيات دالة.

أ. وجود نظام للتمثيلية الشكلانية في ظل مشروعية سلطانية مهيمنة وعلى شتى المستويات المركزية واللامركزية وهو ما يتمثل في:

- وضع الحكومة في حالة " منظمة غير حكومية".

- دور الملك/ السلطان في التشريع والتنفيد بما لايبرر بمجرد توخي السرعة والنجاعة وتلافي الانحراف.

- وجود آليات دولتية غير خاضعة للحكومة ذات قدرة تحكمية سواء في الإدارة المحلية أو المنتخبة.

- وجود آليات منتجة ومؤثرة في صناعة القرار وإعماله أو توجيه ومراقبة تنفيذه خارج الآليتين التشريعية والتنفيذية (برلمان-حكومة)

- وجود قطاعات حيوية وحساسة خارج المراقبة البرلمانية وخارج السلطة الفعلية للحكومة ووزيرها الأول (الأمن-الجيش)

إن كل ذلك يفيد احتكارا للشرعية والمشروعية ،ومنظومة مبنية على التوجس وعدم الاعتراف بركن أساس لأية ديمقراطية:الإرادة الشعبية والتي هي في هكذا منظومة قائمة، مفوضة ومفوتة للسلطان بموجب "البيعة" والتي تظل مقتضياتها "خارج دستورية" فالدستور لا يبدأ فعلا ومفعولا إلا بعدها وهو ليس عدا فرع/ مجال من مجالاتها ،وهي التي تؤسسه ولا يمكنه التأسيس لها وهي "إلاهية" وهو "بشري" وهي "مقدسة" وهو "مدنس" بما يجعلنا حقا في لجة دولة دينية ب"رتوش" زمانية ، حيث يتلاشى مفهوم "العقد" لمصلحة واقع "التسليم" وسمو لغة "الخدام" و "الرعايا" على حساب لغة "المواطنين".

ب. وجود نظام للتنشئة الاجتماعية قائم على ازدواجية صارخة، فمن جهة هناك التزام واحتكام وإعمال للقواعد والمساطر والأحكام القانونية الكونية الإنسانية ومن جهة أخرى نعمد إلى تلقين ناشئتنا مناهج تربوية تحتكم ل "لوائح حمو رابي" المأسلمة بغرس "ثقافة الحدود" عبر ما يسمى ب " "التربية الإسلامية".- لاحظ اختبارات التربية الإسلامية لامتحان الباكالوريا مؤخرا -

غير أن الأخطر من كل ذلك هو المنحى " الصهيوني" لتنشئتنا الدينية، ذلك أن الصهيونية في جوهرها كعقيدة سياسية ليست أكثر من محورة الذات وتحويل مبشرات المتن اللاهوتي الثوراتي لمشروع سياسي وهو أمر لايقف عند حدود اليهود الأكثر تعصبا ولا بعض الاتجاهات الأصولية المسيحية- الانجيليون- بله أيضا عنصر مركزي في الايديولوجيا الاسلامية ، فمقابل "شعب الله المختار" هناك "خير أمة" ومقابل "الوعد ألإلهي بأرض الميعاد" هناك "الوعد الإلهي بالاستخلاف في الأرض" جميعها، ومقابل تحويل اليهودية من ديانة سماوية إلى" قومية" و"شعب" بل و"عرق"، هناك مسعى لهذا المنحى في الايديولوجيا الإسلامية تحت مقولة " الأمة" وما لعبة حرب التأويل لدى البعض سوى مداورة غير مجدية،في أتون قتل العقل.

ج. وجود نظام للارتقاء الاجتماعي قائم على هيمنة البعد الريعي على حساب البعد الإنتاجي وبعد القوة والغلبة على بعد الحق. وبعد الانتفاع على بعد العمل وبعد الولاء/ الزبونية/ المحسوبية على بعد الاستحقاق/ الكفاءة/ الجدارة.

وهذه المفارقة المتشعبة الأركان تهمش وتبخس الاستثمار العصامي وتدمره، وتحبط الطاقات الجديرة وتهمشها، وتنزع من النفوس روح المغالبة الكفاحية اليومية وترسي محلها ثقافة السهولة ونزعة المجانية ومرض الوصولية الانتهازية لنغدو ليس فقط أمام آليات ووقائع مادية بل أمام ذهنية متشربة هي في الأصل/ الجذور إعادة إنتاج متجددة لثقافة الفيء/ الغنيمة ، عوض توليف الإرادات على قاعدة مشروع اجتماعي واضح المرامي التنموية وقادر على تعبئة أوسع الطاقات الخيرة وأجدى الكفاءات الجديرة وأوفر الثروات الوطنية الغيورة والنزيهة والعصامية .

إن ما سلف أعلاه لا يشمل الثروة فحسب، بل يهم السلطة أيضا سواء في شقها الدولتي العام، أو في أنساقها المدنية والسياسية الخارج دولتية ( أحزاب جمعيات) بما فيها النخب شبه الحداثية.

18. إن هذا الثالوث المؤشر له سياسيا وإيديولوجيا واجتماعيا/اقتصاديا، هو مربط الإعاقة التاريخية للمغرب في وجه أي مشروع حداثي ديمقراطي، والاشتغال على ثثويره هو المحدد لمدى الانخراط في أي إرادة لانتقال ديمقراطي حداثي، يخرجنا حقا من دائرة السلطنة لدائرة المملكة المستندة لمشروعية الإرادة الشعبية والمسلحة بمشروع تنموي وطني واضح المعالم الإستراتيجية سواء في مرتكزاته الهوياتية بما هي حسم في فضاءات انتمائه الإنساني والمجالي/ دوائر مجال نموه الحيوية. أو رهاناته القطاعية الصلبة، أو معالم الإنسان المؤهل لبلورته باقتدار أو الصيغ المؤسسية المستوعبة للتدافع الإنساني في بلورة أجدى البرامج الاقتراحية وتعبئة أوسع ثقة/ تعاقد اقتراعي لتجسيد لبناته في حياة الناس، ارتقاء معاش ،وامن واستقرار، وعدالة اجتماعية، وضمان حقوق وحريات، وإشعاع جهوي ودولي.

IV – في مفاصل التثوير واستحقاقاته :

من منطلق ما سلف تتبدى معالم ثلاثة اوراش إستراتيجية :

1. الورش السياسي/ المؤسسي

2. الورش الايديولوجي/ التربوي/ الثقافي

3. الورش الاقتصادي/ الاجتماعي



1. في الورش السياسي/ المؤسسي

ما يلزم أن نقر به حين نخلص أننا إزاء بنيان لدولة السلطان، "سلطنة"، باعتبار كل ما سلف، انه وبالتبعية، نحن في دولة ما قبل السياسة ، ذلك أننا أمام" ما يصنعه الله" لا ما يصنعه البشر، على اعتبار أن السياسة فعل وإرادة بشريين وليست لا أمرا ولا وحيا إلاهيا.

ومن هنا يمكن أن نفهم أيضا لماذا ظل مغرب ما بعد الاستقلال أسيرا لشرنقة صيغة الدولة كما تبلورت في مرحلة ما بعد الاسلمة،أي دولة لاسياسية حيث تظل السياسة حصرا وحكرا على السلطان و"أهل حله وعقده" لا مجالا ل "العامة" و " الرعاع".

إن هذا بنظرنا هو المفصل الجوهري في كل بنيان سياسي مؤسسي حداثي ديمقراطي محصلته ملكية مواطنة تستند وتعترف بشرعية ومشروعية إرادة المواطنين، كما يعترفون بشرعية ومشروعية سيادتها ، أي نصل إلى تأميم الملكية بدل خوصصتها السلطانية للمجتمع .وفي ذات الآن يتوجب أن تجد المسألة الدينية حلها الإصلاحي في أواليات الهوية كما في تدبيرها بصورة يعترف فيها أن ما يشكل انتماءنا ولحمتنا، هو انتماؤنا لهذه الأرض أولا، ولإنسانها ثانيا، ولما ارتضيناه كنظام لها ثالثا، ولما توافقنا عليه في إطار حرية التفكير والاعتقاد حقوقا ومسؤوليات رابعا .

فنحن مغاربة مغاربيون امازيغيون/ افارقة/ عرب/ موريسكيون/ ديموقراطيون/ قبل أن نكون مسلمين أو يهودا أو نعبد الحجر أو الشجر .

وليتوجب الانتباه أننا بعد ثلاثة عقود أو نصف قرن لن نكون فقط بلدا متعدد الروافد الاثنية والثقافية والمعتقدات بل ومتعدد الجنسيات أيضا.

إن إصلاحا دينيا شبيها بالإصلاح الانجيليكاني على الشاكلة الانجليزية عهد الحروب الدينية، ممكن في إطار فصل واضح للسلطات ،لا مجال فيه لاعتداء أي كان على مجال "السياسة" بدعوى كونه"المهدي المنتظر" أو "خليفة لله في الأرض " أو "حارس الحاكمية والناطق باسم حوزتها" أو "متحدث باسم الكائنات الخارج كونية"

إن حل هذه المعضلة/ العقدة هو ما ييسر حل المسالة الدستورية وإلا ظلت كل الدساتير الموضوعة مجرد نصوص على الهامش أمام "دستور" ضمني/ عرفي يمتح من نسقية الدولة الدينية، وظل نظام التمثيلية شكلا كرنفاليا بلا روح حقيقية: المواطنة.

وحالما حلت هذه المعضلة / العقدة التاريخية، أصبح حل قضايا فصل باقي السلطات، وفعالية النظام التمثيلي ،ومجال مراقبته ومحاسبته، وآليات تنصيب واختصاصات الوزارة الأولى والحكومة في الشأن التنفيذي، والتنصيص على حقوق المواطنة وواجباتها، و اللامركزية الجهوية والمحلية قضايا تفرض نفسها بالاستتباع لضمان توازن المشروعيات. أما في ظل التفرد، كما سلف تحليله، فان أي حديث عن نظام للتمثيلية والمشاركة والانتخاب وبالمحصلة ال "السياسة" ،سيظل حديثا شكلانيا شأنه شأن الحديث عن أحزاب في غياب اعتراف صريح بوظيفيتها في ممارسة السلطة والتأثير فيها،أو عن ديمقراطية محلية في ظل وصاية تحكمية واستخفاف بمؤهلاتها الانتخابية .



2. في الورش الايديولوجي/ التربوي/ الثقافي .

لا يمكن الادعاء بالانتماء للحداثة دون تشرب للتنوير العقلاني ورد الاعتبار للإنسان وللقيم الخيرة الكامنة فيه وقدرته على الإبداع في مواجهة ثقافة النقل والتقليد والاستتباع.

ولا يمكن الادعاء بالانتماء للفضاء الديمقراطي، دون الاعتراف بحرية الإنسان كمواطن وقدرته على المشاركة في صنع مصيره حاضرا ومستقبلا وتشربه لهذه القدرة والثقة في الذات كمسؤولية وواجب الانتماء لهذه الأرض وإنسانها ومؤسساتها.

بيد أن ما وضع في أجندة التدمير، ومند السنين الأولى للاستقلال هو ملاحقة أي شكل من أشكال الفكر الحداثي الديمقراطي في اوصال المجتمع.

ولقد شكل البطش السياسي، أبرز ساحات هذا التدمير بتركيز ثقافة الخنوع والتسليم وتبخيس قيمة الذات أمام الآلة الجهنمية لدولة أريد لها أن ينظر لها دوما ككائن غريب عن الذات بما خرب كل حظوظ الثقة فيها خطابا أو أفعالا حتى غدت مختزلة الحضور في "الرعب"وموضوعا للحذر المزمن.

وبموازاة ذلك استخدم "الدين" وبسياسوية مقيتة في التشنيع بكل قيم التنوير وردع كل مطمح في الاحتجاج أو إبداء الرأي في المصير الوطني، وشكلت في هذا السياق "سنة البعث الإسلامي" أوج حملات محاكم التفتيش، التي استقدم لها فقهاء الظلام من كل صوب وحدب، في الهجوم على كل منحى ديمقراطي حداثي، وكل تطلع للعدالة الاجتماعية.

ولستشكل "افرانII " المحطة الأساس في تصفية الحساب مع ممكنات ومواطن استنبات هذه المطامح.

فبعد أن تم حظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، واجتثاث اليسار السبعيني، فرض اصلاح تعليمي ذو منحى "طالباني"، حيث تمت تصفية شعب برمتها( الفلسفة، علم الاجتماع...) ومكن للفصائل الرهبانية بقصد مخطط من التنفذ داخل الجامعات ومحاصرتها كمصدر إشعاع فكري، وأعيدت صياغة المناهج رأسا على عقب ، وعوربة التلقين في المجمل الأساس وفرضت هندسة للتوجيه، بل بلغت الجرأة مداها باقتراح هيكلة تحكم على كل فاشل في التعليم الابتدائي بالحشر في "المدارس القرآنية" لو أرسيت على عهد غير المأسوف عليه "عز الدين العراقي" المدعوم بحماس حزب الاستقلال (والذي ظل وفيا لريائه الاجتماعي منذ مرحلة الحركة الوطنية ) لكان المغرب حاليا اقرب للحالة "الكشميرية". ومع ذلك نجح الحكم في عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين، وبولسة الجامعات وإطلاق يد المجموعات الفاشية الرهبانية فيها وفرض قنوات اخرى لتأهيل المدرسين بعيدا عن الجامعة وصخب حراكها الفكري والسياسي مما دجن أجيالا منهم غذت أقرب إلى الارتزاق منها لحمل رسالة تربوية وتنويرية ووطنية، وفي الأدنى غدت لاترى في رسالتها إن سلمت من اعتناق الفكر ألرهباني، سوى مهمة تقنوية تلقينية.

وبالمقابل أطلقت اليد الطولى لدعم ترويج النفايات التاريخية الصفراء لمشرق مهزوم لا يملك غير التشبث بأهداب وهم الماضي والاستنجاد بالخوارق، من ترويض الجن ، واستحضار الأرواح ، والتداوي البدائي، واستعادة هوس الفحولة عبر الاسترجاع الرمزي لثقافة وتقاليد وأد البنات وغيرها من التمظهرات التي لم يعتدها المغرب حتى في أعثى مراحل تصلب منظومته السلطانية، الماضوية أصلا.

إن محصلة كل ذلك في تنشئة أجيالنا ،تتمثل في وضعهم في جحيم تصادم صارخ بين استحقاقات وشعارات الانخراط في العصر، وما نلقنهم إياه رسميا في مناهجنا، وبصورة غير رسمية عن طريق سيطرة الشبكات الرهبانية على مفاصلنا المدرسية الرسمية، والخاصة(المدارس القرآنية ، بعض مدارس القطاع الخاص) وما تعج به الساحات والمكتبات من كتب ووسائط شبه مجانية ، وما تنفثه قنوات البترودولار من ضروب الرياء ، الجامعة بلا حياء أو وجل بين الترويج للإثارة الشهوانية الغرائزية البهيمية والورع المنافق الرافض لعقل الحداثة، الغارق في الوله بمستهلكاتها ومبتكراتها المادية بإفراط مرضي.

إن هذا البناء الايديولوجي/ التربوي/ الثقافي ، الخادم الطيع لتأبيد منظومة السلطان، وثقافة التسليم وإلغاء الذات لا يمكنه إلا أن يكون نقيضا جوهريا لأي مطمح ومشروع حداثي ديمقراطي ، وليست هناك من حلول وسط قادرة على التبنين في وجهه . فلقد اخفق عصر التدوين ولم يصمد في وجه بنية النقل، وآلت النهضتين السلفية والقومية بالمشرق إلى سراب، وغدا الصدام السيكولوجي بين واقع الحال المدقع معاشا وكينونة اجتماعية ومساحة اعتراف سياسي بالوجود والمعنى والشراكة وبين ما بلغته أمم المعمور حقيقة أو يوطوبيا ، غدا هذا الصدام، مصدرا لتفريغ شحنة الكراهية بتعليق مشجب العجز على الآخر بصورة سادية، أو على الذات بصورة مازوشية وأصبح النهل مما بذات اليد، تنشئة رسمية ومجتمعية، مضاف لها الوافد من جاهز الأجوبة الأكثر سوداوية سلاحا لاستدعاء مشروع فاضل/ خلاصي/ قابع في وهم التاريخ وقائم على تكفير /نبذ/ رفض/ المشروع الحاضر حتى ولو كان جوهره ماضويا، لتسترجع آلية التكفير/ محرك التاريخ الإسلامي، منذ دولة النبوة ،في إعادة إنتاج ذاته الركودية،زخمها واستعاد "الكهنوت الرهباني" صدارته كمنتج / مصدر لشرعنة صلاحية "الفتوى" وهو مؤشر لهزيمة فاضحة للمثقف المؤثر لسلامة الذات والعرض من هجمة" الاستحلال" الهمجي أو تبرم السلطة والسلطان.

إن هكذا مآل يفرض عل اليسار كحامل طليعي للقيم الحداثية الديمقراطية استعادة المبادرة في حقل الشباب بشكل عام والمدرسي بشكل خاص، كما استعادة المبادرة في الحقلين التعليمي والثقافي والإعلامي/ التواصلي، بدل بعض المساعي السياسوية الممالأة، الرامية لاكتساب بعض المساحة في التموضع، لكنها من حيث لا تدري تسهم في تضييع وطن والمراهنة بمستقبله .إذ تساهم في محاصرة كل القوى والطاقات والمبادرات التنويرية الناهضة والمغالبة مدنيا ،وتعزز طفو النفوس المهزومة، وتسيد المرتزقة من أشباه المثقفين اللذين استمرؤوا الخلط بين الدرجات الجامعية وموقع statut المثقف كانتماء لرؤية وجودية/قضية ما في الفكر والمجتمع والعالم،ليمتهنوا التوصيف بالبياض.





3. في الورش الاقتصادي/ الاجتماعي.

أسلفنا في معرض تشخيص الموانع أعلاه، ما نعتقده أسباب عدم قدرتنا على اللحاق التاريخي والذي أشرنا في معرض تناول شقه الاقتصادي / الاجتماعي لمعضلة "الريع" كبنيان ل "الفعالية الاقتصادية" و"ذهنية" الفيء والغنيمة" المهيكلة له وموضعته ضمن البنيان الاجتماعي التراتبي والمجالي كقاعدة اجتماعية من " المؤلفة قلوبهم" لضمان تماسك واستقرار وإعادة إنتاج بنيات الحكم السلطاني/ الدولة الدينية .

وما جرى ويجري منذ الاستقلال، هو استدماج كل الآليات والقطاعات العصرية وإخضاعها لروح النمط، وهي التجربة التي جربت بنجاح منذ" السياسة الأهلية " أو "سياسة الأعيان" التي بلورها مهندسها الماريشال ليوطي في ارشاء النخب التقليدانية لضمان موالاتها للآلة الاستعمارية ، وكان من الذكاء التاريخي بحرصه الشديد في توجيهاته لإدارة الحماية بعدم المساس بالعماد الايديولوجي والتراتبات الاجتماعية التي تشكل روح وحضانة هذا النمط وتأبيد إعادة إنتاجه وتكييفه.

إن المحصلة ، أننا غدونا أمام قلاع للتنفذ يصعب اختراقها وقصم تسيبها ، فأبسط إجراء لتنظيم النقل (قضية التاكيغراف على سبيل المثال) تقود للشلل العام والابتزاز بالملف الاجتماعي، وقس على ذلك في أسواق الجملة وقطاع النسيج والجلد والصيد البحري......

وما يقال عن القطاعات الإنتاجية والخدماتية، كإشارات ،يمكن سحبه على اللوبيات البيروقراطية التي ولدتها ادارة الدولة والقطاعات العامة وشبه العامة، وكذا ما يمكن سحبه على شبكات "الفنادقية" المتخصصين في تجارة الخردة وكراء الأسواق والمواقف العمومية واستغلال المقالع، واللذين كونوا إلى جانب تجار البؤس الاجتماعي بأحزمة السكن العشوائي وغير اللائق وبعض المضاربين العقاريين الأكثر شراهة والوسطاء التجاريين والعقاريين قوة ضاربة متحكمة في كل البنيان الجماعي المحلي وأسواق نخاسته البشرية بكل امتداداتها وتداخلاتها السلطوية.

إن" الريع" قد تحول إلى نموذج للنجاح الاجتماعي بجني المكاسب السهلة، فغدا الرأسمال المراكم سيولة إما باحث عن قطاعات بدورات رأسمالية قصيرة ومدرة لأرباح مضاعفة أو مكدس باحث عن عوائد ثابتة بعيدا عن وجع دماغ الاستثمار ومخاطراته.بينما وبتواز مع كل ذلك ظلت بنية معظم المقاولات شخصية أو عائلية.

وإذا كانت قلة من الثروات عصامية وجديرة بالمواطنة ، فإن أكثرها يتوسع على حساب سرقة المال العام بصورة مباشرة غشا وتدليسا وتهربا ضريبيا (رغم العفو الضريبي المتوالي) أو بصورة غير مباشرة بتحويل الطاقات البشرية المؤهلة والمكونة ليد عاملة مجانية في إطار السخرة وفي تكرار كاريكاتوري لتجنيدها بدعوى التدريبSTAGES والتخلص منها بعد أشهر لتجنيد فوج جديد ، بل لم يتورع الكثير عن تجنيد المتدربين من اجل التشغيل في الورق لنهب المنح والإعفاءات من المال العام.

ولم يسلم القطاع العام وشبه العام من هذا الوباء ، وما يعاش في أحد قلاعه الأساس كمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ووحداته الإنتاجية والخدماتية يقدم أبلغ صورة لما يمكن أن يبلغه هذا النمط من حيث استباق تفويت الخدمات والأعمال لتكوين شركات انتفاع وانجاز أشغال الصيانة.

ولمن اغرب ما آل إليه هذا المنحى الذهني ،أن تحول "الريع" لمطلب اجتماعي، وحق وراءه طلاب ، فبرغم تخمة التوظيف الجماعي وتحوله لعبئ مستنزف للمال العام مقابل وظائف بدون وظيفة عدا تزجية الوقت الثالث المؤدى عنه أو الانخراط في سلك الموظفين الأشباح، أصبحنا نلحظ حركات للمعطلين تواظب على المرابطة اعتصاما بالجماعات المحلية سعيا للظفر بمنصب أو مطالبة العمالات بحصة من "الكريمات" (وكلاء جملة، سيارات أجرة، نقل مختلط...) بل بلغ الوضع مبلغا كافكاويا بدفاع بعض رجال ونساء التعليم عن "حقهم" في أن يكونوا فائضين ، أوبنصف حصة كي يتفرغوا للقطاع الخاص وقس بعد ذلك على ما شئت من قطاعات ومرافق...

النص الكام http://psu.apinc.org/article.php?paid=345
Admin
Admin
Admin

عدد المساهمات : 46
تاريخ التسجيل : 20/09/2008

https://psutetouan.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى